االفاتحة ( سورة مكية عدد آياتها 7)
سورة الفاتحة و هي مكية يقال لها الفاتحة أي فاتحة الكتاب خطا و بها تفتح القراءة في الصلوات و ثبت في الصحيح عند ترمذي و صححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " الحمد الله رب العالمين أم القرآن و أم الكتاب و السبع المثاني و القرآن العظيم" و يقال لها " الحمد" و يقال لها " الصلاة" . لقوله صلى الله عليه و سلم عن ربه : " قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل إذا قال العبد" الحمد الله رب العالمين "قال الله حمدني عبدي و إذا قال " الرحمان الرحيم" قال الله أثنى علي عبدي فإذا قال " مالك يوم الدين" قال الله مجدي عبدي و إذا قال " إياك نعبد و إياك نستعين" قال الله هذا بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل فإذا قال " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين " قال هذا لعبدي و لعبدي ما سأل.
و هي كذلك شفاء و رقية و أساس القرآن.
إن جميع سور القرآن الكريم تبتدأ ب "بسم الله الرحمان الرحيم" ما عدا سورة التوبة. و ذلك أن الله تعالى أدب نبيه محمد بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله و القرآن الكريم كله كلام من عند الله يتضمن هذا الكلام أفعال يجب القيام بها و اتباعها.
بعد البسملة نجد "الحمد الله رب العالمين" و هي الشكر الله خالصا دون سائر ما يعبد من دونه و قال ابن الجرير رحمة الله عليه : الحمد الله ثناء أثنى الله عز و جل به على نفسه و في ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه و هذا الثناء موجه لرب العالمين أي مالك الخلق من الإنس و الجن و الملائكة و الدواب و غيرهم.
" الرحمان الرحيم" إنما وصف الله عز و جل نفسه بالرحمان الرحيم بعد قوله رب العالمين ليكون من باب قرن الترغيب بعد الترهيب كما قال تعالى " نبئ عبادي أنني أنا الغفور الرحيم و أن عذابي هو العذاب الأليم" و قوله تعالى " إن ربك لسريع العقاب و إنه لغفور رحيم " و في صحيح مسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد و لو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد".
"ملك يوم الدين" تخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين و ذلك عام في الدنيا و الآخرة و إنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيء و لا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى " يوم يقوم الروح و الملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان و قال صوابا " .
" إياك نعبد و إياك نستعين":أي لا نعبد إلا إياك و لا نتوكل إلا عليك و هذا هو كمال الطاعة، و الدين كله يرجع إلى هذين المعنيين.و كما قال بعض السلف الفاتحة سر القرآن و سرها هذه الكلمة " إياك نعبد و إياك نستعين" فالأول تبرؤ من الشرك و الثاني تبرؤ من الحول و القوة و التفويض إلى الله عز و جل. و هذا المعنى تتضمنه آيات كثيرة في كتاب الله الكريم قال تعالى :" قل هو الرحمان آمنا به و عليه توكلنا" و قال الله تعالى " رب المشرق و المغرب لا إلاه إلا الله هو فاتخذه وكيلا" .
"اهدنا الصراط المستقيم" : قال ابن الحفية في هذا القول الكريم هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره و عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ضرب الله مثلا صراطا مستقيما و على جنبي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة و على الأبواب ستور مرخاة و على باب الصراط داع يقول يا ايها الناس ادخلوا في الصراط فإذا اراد الإنسان أن يفتح شيء من تلك الأبواب قال و يحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه.
فالصراط هو الإسلام و السوران حدود الله و الأبواب المفتحة محارم الله و ذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله و الداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم.
و هذه الآية فيها دعاء و رغبة من المربوب إلى الرب و المعنى ذلنا و أرشدنا الهداية الموصلة إلى أنسك و قربك.
" صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين": بطاعتك و عبادتك من ملائكتك و أنبيائك و الصديقين و الشهداء و الصالحين و في هذه الآية يتضح جليا الصراط المستقيم و هو الصراط الذي أنعم الله على عباده الذين تقدم وصفهم و نعتهم و هم أهل الهداية و الاستقامة و طاعة الله و رسوله الكريم و امثتال أوامره و اجتناب نواهيه. غير صراط المغضوب عليهم و هم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق و عدلوا عنه و لا صراط الضالين و هم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق.
قسم الله عز و جل سورة الفاتحة إلى الأقسام التالية:
القسم الأول: أثنى الله عز و جل على نفسه بالترغيب و الترهيب فقال الحمد الله رب العالمين الرحمان الرحيم و خص نفسه بمالك يوم الدين لأن في يوم الدين الملك الله الواحد القهار فقط و لا يؤذن للتحدث لأحد إلا بإذن الله
القسم الثاني: تحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاف و هو مناسبة لأنه لما أثنى العبد على الله فكأنه اقترب و حضر بين يدي الله تعالى فلهذا قال " إياك نعبد و إياك نستعين".
القسم الثالث: و هو القسم الذي يبدأ العبد بطلب الهداية من الله عز و جل و السؤال لم وحده و أن لا يجعله من المغضوب عليهم و لا الضالين.